حقيقة علم الرؤى والأحلام وفوائده

حقيقة علم الرؤى والأحلام وفوائده
الحديث عن الرؤى والأحلام من الأمور التي شغلت الإنسان منذ القدم, وما زال يتناولها المتكلمون من أطباء وفلاسفة وعلماء نفسٍ بالتعريف والتفسير والدراسة, ومنهم من يصب في رأيه ومنهم من يخطئ, ومنهم من يرى أنها مجرد خواطر, ومنهم من يرى أنها مجرد طبائع, ومنهم من يرى أنها خيالات. والذي عليه أهل السنة والجماعة هو أن علم الرؤى والأحلام من أجل العلوم وأدقها, وهو علم من العلوم الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة, ففي القرآن الكريم قال تعالى: ( لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) 1, وفي الحديث الشريف روي عن ‏أَبَي هُرَيْرَةَ ‏‏قَال: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏يَقُولُ ‏لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّة إِلا الْمُبَشِّرَاتُ. قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ"2 . والحلم والرؤيا مترادفان عند أغلب علماء اللغة, ويدلان على ما يراه النائم في نومه من الأشياء, وقد فرق الدين الإسلامي بينهما فخص الرؤيا بالخير والحلم بالشر, كما ورد في الحديث الشريف فعن"‏مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ ‏ ‏أَنَّهُ سَمِعَ ‏أَبَا هُرَيْرَةَ ‏يَقُولُ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِن وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَمَا كَانَ مِنْ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لا يَكْذِبُ ‏قَالَ ‏‏مُحَمَّدٌ ‏‏وَأَنَا أَقُولُ هَذِهِ ‏‏قَالَ ‏وَكَانَ يُقَالُ ‏‏الرُّؤْيَا ثَلاثٌ حَدِيثُ النَّفْسِ وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ وَبُشْرَى مِنْ اللَّهِ فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ ‏قَالَ ‏وَكَانَ يُكْرَهُ ‏ ‏الْغُلُّ ‏‏فِي النَّوْمِ وَكَانَ يُعْجِبُهُمْ الْقَيْدُ وَيُقَالُ الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ"3. ومن الحديث الشريف يتبين لنا أن ما يراه النائم في منامه على ثلاثة أقسام هي: 1- رؤيا صالحة من الله. 2-حلم من الشيطان. 3-حديث نفس. يقول ابن خلدون: "هذا العلم من العلوم الشرعية وهو حادث في الملة عندما صارت العلوم صنائع, وكتب الناس منها. وأما الرؤيا والتعبير لها, فقد كان موجوداً في السلف كما هو في الخلف. وربما كان في الملوك والأمم من قبل؛ إلا أنه لم يصل إلينا للاكتفاء فيه بكلام المعبرين من أهل الإسلام. وإلا فالرؤيا موجودة في صنف البشر على الإطلاق ولا بد من تعبيرها"4. ومما سبق يتبين لنا أن تفسير الرؤى والأحلام علم شرعي وليس وهماً ودجلاً. أما علم الرؤى والأحلام فله أهمية بالغة في الإسلام ويدل على ذلك كثرة الرؤى في القرآن والسنة المطهرة وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تفسير الرؤى والحث على تعليمها, فقد انتشرت الرؤى في القرآن الكريم, كما انتشرت في كتب الحديث، والتاريخ، والتراجم، والسير، والأدب، والتفسير، وغيرها من أخباره صلى الله عليه وسلم، وأخبار أصحابه -رضي الله عنهم- ما يدلُّ على اهتمامهم بهذا العلم، وعنايتهم بأحكامه, ففي الصحيحين من حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني- مما يُكثر أن يقول لأصحابه: "هل رأى أحدٌ منكم رؤيا"؟ قال: فيقصّ عليه ما شاء الله أن يُقص (...)"5. يقول الأستاذ فهد العصيمي: " توجد نصوص متعددة تثبت شرف هذا العلم وشرف تعلمه وتعليمه, فقد ورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسأل أسماء بنت عميس الخثعمية عن تعبير الرؤيا, وهي صحابية تزوجها جعفر بن أبي طال وهي ممن روى لها البخاري وغيره, وورد أن سعيد بن المسيب وكان من أبرز من برع في هذا الفن أخذ العلم من أسماء بنت أبي بكر, وأخذته أسماء عن أبيها أبي بكر -رضي الله عنهم أجمعين-(...), وختاماً لم يكن لكثير من العلوم الإنسانية أو حتى الشرعية, وليس فقط علم التعبير, فصول أو مدارس كما يوجد حالياً, وهذا ليس بسبب كافٍ لنمنع العلم والتعلم. وبرأيي أننا بحاجة للفقه بعلم تعبير الرؤيا بعامة, مثل: كيفية التخلص من الفزع في المنام, وكيف نطرد أذى الحلم المفزع على صاحبه أو على جماعة ما, وكيفية التعامل معه, ومع الكوابيس, وكيف يمكن التعامل مع أحلام الأطفال وتحليلها أو تعبيرها للانطلاق لفهم أدق لنفسيتهم وبعض ما يصيبهم من مشاكل نفسية, ومن ثم العمل على علاجها بإزالتها أو التخفيف من حدتها"6. ولذلك فهو علم له أهمية بالغة وله أصول يعتمد عليها من الكتاب والسنة وأشعار العرب وأمثالها وعلى الأسماء ومعانيها وعلى الضد والقلب7. وهو علم يمكن تعلمه وليس مجرد خرافات وخزعبلات, ولذلك يحرص المعبرون على تتبع أصوله وقواعده وتتبع المنهج النبوي في تفسير الرؤى والأحلام, يقول الأستاذ فهد العصيمي: " فالتعبير الذي أتبناه دوماً يقوم على التفاؤل, وهذا ما أفعله والحمد لله, وهو المنهج الذي أسير عليه, فلا أفزع مسلماً أو مسلمة, ولا أفشي سر مسلم أو مسلمة, ودوماً ما أقول لمن سألني: غلب جانب التفاؤل في تعبيرك, وأوقع التعبير لمن سألك-ما أستطعت- على الخير, فإن لم تجد لها باباً للخير, فاطلب من صاحبها أو صاحبتها الاحتراز منها بما ورد, وهذا كافٍ بعون الله في دفع شرها عنه"8. ولتعبير الرؤى والأحلام فوائد كثيرة منها: أن فيها تبشير للمؤمنين وتطمين لهم, وأن فيها تعليم للرائي وتذكيره وبيان لحالته, وأن فيها دعوة للرائي (الكافر) إلى الإيمان, وأن فيها دعوة (للرائي) المؤمن إلى الطاعة, وأن فيها إنذار وتحذير وابتلاء وتمحيص وغيرها9. ولذلك فالرائي يستفيد من تعبيره للرؤيا فوائد كثيرة وليست آمالاً وهمية.
أ. عادل بن سليمان المهنا
(تعليم عنيزة. ماجستير)

(1) سورة يونس, آية: 43.
(2) صحيح البخاري بحاشية السندي. محمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق: حسن عبدالعال و هيثم الطعيمي, ج4. بيروت: المكتبة العصرية,2008م, ص: 1415.
(3) صحيح البخاري بحاشية السندي. محمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق: حسن عبدالعال و هيثم الطعيمي, ج4. بيروت: المكتبة العصرية,2008م, ص: 1421.
(4) مقدمة ابن خلدون للعلامة المؤرخ عبدالرحمن بن محمد بن خلدون. اعتناء ودراسة: أحمد الزعبي. لبنان: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع, ص: 528.
(5) صحيح البخاري بحاشية السندي. محمد بن إسماعيل البخاري. تحقيق: حسن عبدالعال و هيثم الطعيمي, ج4. بيروت: المكتبة العصرية, 2008م, ص: 1427.
(6) جريدة الجزيرة. فهد العصيمي. " أفاق إسلامية". الرياض, عدد 13420, الجمعة 3 / 7 /1430هـ.
(7) الرؤى والأحلام في النصوص الشرعية. أسامة الريس. جدة: دار الأندلس, 1414هـ, ص: 197.
( جريدة الجزيرة. فهد العصيمي. " أفاق إسلامية". الرياض, عدد 13420, الجمعة 3 / 7 /1430هـ.
(9) الرؤى والأحلام في السنة النبوية. عبدالله العمري. الأردن: دار النفائس للنشر والتوزيع, ص: 107.